بقلم إسراء حسون.
الأنتقال من مكان لآخر والعيش قرب أناس لا نعرفهم ليس بالأمر الهين ولا اليسير خصوصا مع التغيرات السلبية التي طرأت على المجتمع العراقي. ولهذا فأن سقف التوقعات الأيجابية عادة ما يكون في أدنى مستوياته. وبالمقابل, تسيطر علينا الهواجس السلبية وترسم لنا صورا قاتمة عن مستقبل مجهول المعالم يزيد حتى من صعوبة تجربة الأنتقال…
قبل عدة اشهر, انتقلت الى بيت جديد في احدى مناطق بغداد الجميلة. حالما وصلت الى وجهتي, أثارت نظافة الشارع المؤدي الى الزقاق الذي اسكن فيه أنتباهي وسحرت ناظري صورة الاشخاص الذين يهتمون بصورة مستمرة بنظافة الشارع وغسله وعندما أقول غسله فإني أقصد الكلمة حرفيا بكل ما تحمله من معنى. أحسست لبرهة من الزمن أن أسفلت الشارع يتباهى بسواده اللماع ولم يجد التراب اليه من سبيل أما أسفلت الأرصفة فقد كان ينقلني الى عالم آخر ويثير في داخلي سؤالا عما أذا كنت قد أنتقلت بالزمان والمكان الى بلد أوربي أم أنني ابحر في حلم جميل. لم تكن لدي أدنى فكره عما يجري. لكن كان هناك كما يقال في علم الرياضيات عامل مشترك يربط بين كل هذه الأمور الجميلة. الأسم (يعرب) كان هذا العامل المشترك ولكن من هو يعرب؟ هذا هو السؤال الذي بدأت بالبحث عن أجابته.
كل يوم كان الفضول في معرفة سر هذه الأسم يزداد خصوصا أنه صار يتكرر كثيرا كلما وصفت لاحدهم اين اسكن , فالكل يقول شارع دكتور يعرب ويكمل ” احلى شارع في المنطقة.
لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى صدقت توقعاتي وما لبثت ان اكتشفت ان يعرب هو نفسه طبيب الاسنان المعروف. هذا الجار الرائع الذي رزقنا الله جواره. تعالوا معي لأحدثكم عما يقوم به الدكتور يعرب وكيف أصبح أسمه مثالا لكل ما هو جميل وراقي.
يقوم الدكتور يعرب بنفسه ولعدة مرات في الشهر بكنس وتنظيف الشارع والاشراف على غسله وتنظيف الرصيف المواجه لبيته. يدفع الرجل الأموال من جيبه الخاص ليستأجر أشخاصا يساعدوه في في غسل الشارع وابقاءه نظيفا. على الرصيف المجاور لمنزله, قام الدكتور يعرب بزراعة عدد من الأشجار دائمة الخضرة. ومثل كل الأشجار, تتجدد أوراقها بصورة مستمرة ومن الطبيعي أن تتناثر على الأرض. منظر الأوراق الصفراء المتناثرة ليس قبيحا بل ربما يضفي لمسة جمالية في بعض الأحيان خصوصا لو تناثرت في الحقول والأراضي الخضراء ولكن طبعا ليس في الأحياء السكنية. من أجل تجاوز هذه المشكلة البسيطة, قام الدكتور يعرب بربط شبكة بلاستيكية كبيرة تغطي الرصيف وربطها في جذوع الأشجار بأرتفاع بسيط عن الأرض. قد يبدوا الأمر غريبا ولكن لماذا يقوم بذلك. غرابة الأمر تلاشت حينما رأيته يجمع الأوراق الجافة المتناثرة فوق الشبكة بواسطة مكنسة كهربائية.
كما قام بربط انبوب لسقي الاشجار بطريقة التنقيط لضمان استمرارية سقي الاشجار.
في طرف الشارع وفي الرصيف الاخر المواجه لبيته توجد تله ترابيه , من يعيش في بغداد اعتاد على رؤية مثل هذه التلال او الاكوام الترابية التي توضع هنا وهناك لقطع بعض الشوارع في بعض الاحيان. لا جرم أنها طريقة سيئة وغير حضارية لأغلاق طريق ولكن لا يمكن رفعها بسهولة خوفا من المشاكل مع الجهات المختصة التي وضعتها اما المطالبة برفعها فهي كمن يحاول نقل الماء بالغربال. لكن مع دكتور يعرب هناك دائما حل. لقد قام جارنا العزيز بزرع هذه الكومة او التله الترابيه بالنجيل(الثيل) وبعض الازهار والمواضبة على سقايتها وتنظيفها. من يمر بالمكان يمكنه ملاحظة الفارق الكبير بين جهتي التلة. النجيل والأزهار الجميلة من جهة دكتور يعرب بينما لا شيء سوى التراب والانقاض من الجهة الأخرى. يمكن للناظر أن يلاحظ الفرق الأهم وهو الفرق بين الذوق وأنعدامه, بين شعور المواطنة وغيابه والأهم بين عشق الوطن والحفاظ عليه وبين حب الذات وعدم الأكتراث لسواها.
من منا لايتمنى ان يعيش في شارع نظيف وجميل مثل هذا , من منا لايتمنى ان يعيش في منطقة ومدينة جميلة؟
ماذا لو اصبحنا كلنا يعرب؟ شخص ذو منزله اجتماعية ووظيفة مرموقه لم يترفع عن تنظيف الشارع بنفسه لأنه ببساطة يعكس ما في داخله .
ماذا لو قام كل شخص بتنظيف الرصيف والشارع امام بيته ؟؟؟ ماذا لو اجتمع الجيران وقاموا بحملة تنظيف للشارع والارصفه ومن ثم صبغها ؟؟ مثل هكذا عمل لايحتاج الى ميزانية كبيرة ولا الى جهد كبير لكن النتيجة ستكون كبيرة وجميلة وملفته للنظر
الامر بسيط وابسط مما نتصور كل ما يتطلبه الأمر هو الأحساس بالمسؤولية الفردية تجاه الوطن الذي نعيس فيه. نحتاج الى معرفة قيمة ما نملك والمحافظة عليه
من اجل مدينة اجمل
من اجل عراق اجمل
لنكن كلنا يعرب
الف تحيه لدكتور يعرب ولكل من ساهم في مثل هيج أعمال .. فعلا تشوقت لزيارة شارعكم ولقاء بطل قصتنا اليوم .. عاشت ايديج
كل الاحترام والتقديرللدكتور يعرب وياريت الناس كلها تتعلم من الدكتور يعرب وحرصه على منطقته اللي يعكس حبه لبيته ومدينته وبلده واهل بلده. عاشت ايدكم على هذا الموضوع الشيق والصور الرائعة اللي خلتني اعيش ايام بغداد من جديد
كل الاحترام و التقدير للدكتور يعرب، انسان عبر بطريقته عن حب الحياة و استمراريتها، ببساطته عبر عن حب المنطقة و حبه للوطن. اتمنى يكون قدوة لكثير من الناس. ذكرتني اسراء بقول رسول الله و الي تعلمناه بالمراحل الاولى من الابتدائية. ” يد الله مع الجماعة” لو يشارك شخص واحد على الاقل من كل بيت من كل شارع لاحياء المنطقة المحيطة لبيته، لكانت بغداد جنة الله في الارض. احسنتي النشر و شوقتني كثيرا لزيارة هذا الشارع