بقلم احمد طاهر.
محسن حسين – رائد الصحافة العراقية.
فكرة الكتابة عن الاعلامي الكبير محسن حسين ليست وليدة اللحظة. تربطني بالعم ابو علاء علاقة عائلية بحكم صداقة العمر التي تجمعني بولده، اخي وصديقي علاء ومن بعدها بعائلته الكريمة، لذلك فان الكتابة عنه لها خصوصية .زادني شرف خلال زيارتي الأخيرة عندما قدم لي نسخة من من كتابه الرائع (من اوراق صحفي عراقي) و فيها اهداء خاص بخط يده الكريمة. كنت قد بدأت بالفعل الكتابة منذ فترة لتكون سيرته من ضمن سلسلة اعلام من بلادي التي احرص على تقديمها على (عراق انا). اخترت اليوم بذات كونه يصادف عيد ميلاده ال-85 لاشارك مع الجميع سيرة حياة رجل من ألمع رواد الثقافة عامةً والصحافة خاصة. دعواتنا للعم الغالي أبو علاء بالصحة وطول العمر.
قبل شهرين تقريبا فاجأ الصحفي الرائد محسن حسين الجميع من على صفحته الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعي الفايسبوك بنيته التوقف عن الكتابة لاسباب صحية:
“أصدقائي الأعزاء
ابتداء من اليوم ١٨ نيسان سأتوقف عن التواصل معكم في الفيسبوك والواتسب وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي بسبب مجموعة من الأمراض ابتداء من العيون الى ارتفاع ضغط الدم الى هجمة الانفلونزا
واعتذر بشكل خاص الى الأصدقاء اصحاب ورؤساء تحرير الصحف والمجلات التي كنت اساهم فيها مجلة الف باء ومجلة دنيا وصحيفة الزمان وصحيفة المشرق في العراق وصحيفة بانوراما في استراليا وشبكة الاعلام في الدنمارك
تمنياتي لكم جميعا بالصحة والسعادة
محسن حسين / ابوعلاء”
كان الخبر مزلزل لكثيرين من المحبين والمتابعين وكانت ردود الفعل واضحة بين حزن شديد ودعوات للاعلامي الكبير بالصحة وطول العمر، وهناك من محبيه من رفضوا فكرة التوقف عن الكتابة نهائيا وانما دعوته الى التخفيف من الكتابة الى حين تحسن صحته – مثال ذلك المنشور الذي كتبه المؤرخ الكبير الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف.
لااتخيل ان من يدرس مجال الاعلام او يمتهن الصحافة في العراق يجهل من هو محسن حسين جواد او ممكن انه لايمتلك المعرفة بتاريخه الطويل و الثري والمشرف في هذا المجال. رحلة محسن حسين في الصحافة تخللتها الكثير من الاحداث والمغامرات مثال ذلك انه كان من ضمن المراسلين الصحفيين مع القوات المصرية الذين عبروا قناة السويس بعد اندلاع حرب تشرين / اكتوبر 1973. تعرض للكثير من المواقف منها الطريف والمحرج، ومنها الغريب والمتناقض، ومنها الخطير ماوصل الى التهديد بالقتل. كان ضحية للتلفيق والفصل من وظيفته، وحتى الخشية من صدور حكم الأعدام بحقه لا سمح الله..
عاصر الملوك والرؤساء وزعماء السياسة وعمالقة الاعلام والفنانين والثوريين والادباء والمثقفين بمختلف مستوياتهم واشكالهم، في العراق وفي الوطن العربي. وارتبط اسمه بكثيرين مثل عبد الرحمن عارف، عبد الكريم قاسم، معمر القذافي، جمال عبد الناصر، ام كلثوم، محمد رضا بهلوي، الملك محمد الخامس، الكاتب المصري الكبير احمد بهاء الدين، والقائمة تطول .
هو الصحفي العراقي الوحيد الذي حضر لقاء رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم بالرئيس الجزائري السابق احمد بن بللا بعد اطلاق سراح الأخير من سجون الاعتقال وبعد استقلال الجزائر من الاحتلال الفرنسي.
هو ايضا شاهد على تأسيس تلفزيون العراق. يقول في احدى مقابلاته عن ذلك اليوم “يحق لنا نحن العراقيين ان نفتخر ان التلفزيون العراقي الذي بدأ بثه يوم 1-5-1956 ودشنه الملك فيصل الثاني بمناسبة عيد ميلاده هو اول تلفزيون عربي و للتاريخ اذكر هنا ان التلفزيون العراقي هو أول تلفزيون ناطق باللغة العربية في العالم على الإطلاق”.
ولد محسن حسين جواد في 12 حزيران / يونيو عام 1934. درس الابتدائية في مدرسة الفيصلية بقضاء المشخاب. بدأ العمل الصحفي في العام 1952 عندما كان يكتب الخواطر البسيطة ويرسلها الى صحيفتي (الاخبار العراقية) و (الشعب). في العام 1956 بدأ يتقاضى راتب على عمله الصحفي. بدايات الشهرة الصحفية تعود بالفضل الى امرأة تدعى احلام البدري. وهو في الحقيقة اسم مستعار استخدمه محسن حسين على سبيل المزح او الطرفة عندما راسل القسم الخاص بركن المرأة في جريدة (الشعب) للمشاركة في مسابقة خاصة تناقش الوضع الاجتماعي للمرأة. لاقت رسائل ومقالات احلام البدري التي نشرتها الجريدة صدى واسع وردود فعل ايجابية جدا الى حين اكتشاف الامر وتعيينه بصورة رسمية.
احدى اهم المحطات في حياة محسن حسين هي كونه احد المؤسسيين لوكالة الانباء العراقية (واع) في 9 تشرين الثاني / نوفمبر 1959 – مع الاعلاميين حميد رشيد واحمد قطان (رحمة الله عليهم)، وعليه استحقوا لقب رواد الصحافة والاعلام العراقي اولا لعدم وجود جهاز اعلامي كان موجوداً قبل ذلك التاريخ, وثانيا لعدم وجود مختصين واشخاص ذوي خبرة في وكالات الانباء خلال تلك الفترة الزمنية من تاريخ العراق. كتبت العام الماضي عن بدايات وكالة الانباء العراقية في الذكرى السنوية لتأسيسها
خلال فترة عمله في وكالة الانباء العراقية تسلم مسؤوليات عديدة، مثل مدير الاخبار الداخلية، وفي العام 1971 تسلم منصب نائب المدير العام لوكالة الانباء العراقية ونائب رئيس التحرير. انتقل الى القاهرة في العام 1972 وعمل مراسلا ثم مدير ل(واع) بالقاهرة الى عام 1976 عاد بعدها الى العراق. وبعد 18 عاما في وكالة الانباء العراقية قدم على التقاعد في العام 1977. لكنه في العام ذاته بدأ التعاقد والعمل في مجلة الف باء واستمر على ذلك لمدة 25 عاما. تولى محسن حسين مسؤوليات متعددة في مجلة الف باء، من رئيسا ومشرفا على الاقسام المختلفة كالسياسية والفنية والرياضية والتحقيقات، الى كونه مستشارا وعضوا في هيئة التحرير التي كانت تقوم بالتدقيق ووضع الخطط لمسار المجلة وفعالياتها.
هل تعلم ان شخصية (الدلالة ام ستوري) الكاريكاتيرية التي اشتهرت على صفحات مجلة (الف باء) وبريشة الفنان الراحل عباس فاضل هي من ابتكار الصحفي الكبير محسن حسين؟
شأنها شأن وكالة الانباء العراقية (واع)، وبقرار من سلطات الاحتلال الامريكي في 2003 تم غلق مجلة (الف باء) كونها كانت قائمة في فترة حكم النظام السياسي السابق. لكن للتاريخ، تأسيس مجلة الف باء لايرتبط بالنظام السياسي الذي قام بعد ثورة تموز / يوليو 1968، لان تاريخ تأسيس المجلة يعود الى 22 ايار / مايو من السنة ذاتها. الامر الاخر، فان كادر المجلة انفسهم وبمختلف مستوياتهم قد تعرضوا لضغوطات مختلفة وعديدة عبر السنين من جهات حكومية وشخصيات حزبية (تملقا للحاكم) من اجل تغيير نهج ومسار المجلة الاعلامي.
لم تثني القرارات الصادرة من سلطات الأحتلال الأمريكي انذاك الجهود التي سعت الى اعادة احياء الجهاز الاعلامي وشارك محسن حسين في عدد من المبادرات بهذا الشأن. في العام 2005 قام ومعه مجموعة من الزملاء الصحفيين بتأسيس الوكالة الوطنية العراقية للانباء (نينا) وهي اول وكالة انباء مستقلة في تاريخ العراق. كان الهدف الاساسي من تأسيس (نينا) شغل الفراغ الذي تركه غلق وكالة الانباء العراقية (واع). حققت هذه الوكالة الجديدة نجاحات كبيرة واصبحت من المصادر الموثوق بها محليا ومعتمدة من قبل وسائل الاعلام العالمية لنقل الخبر – تبث الوكالة يوميا مايعادل 20 خبر باللغة الانكليزية و80 خبرا باللغة العربية ولديها شبكة من المراسلين في جميع انحاء العراق. عمل محسن حسين 6 سنوات كمدير مفوض ورئيس تحرير في (نينا) وحتى بعد انتقاله الى دبي في العام 2006 بسبب احداث العنف المتفاقمة في العراق واصل العمل عن بعد في وكالة (نينا) الى اذار / مارس 2011.
من انجازات رائد الصحافة العراقية والتي يفتخر بها شخصيا خلال تلك الفترة سعيه وبالتالي حصوله بتاريخ 26 تشرين الثاني / نوفمبر 2010 على موافقة منظمة انباء اسيا والباسفيك (اوانا) بادراج الوكالة الوطنية العراقية (نينا) عضوا فيها وهذا معناه عودة العراق بين وكالات الانباء العالمية بعد غياب سبعة اعوام بسبب اغلاق وكالة الانباء العراقية (واع) بعد احتلال العراق عام 2003.
وفي 1 ايار / مايس من العام نفسه قام ومعه من الزملاء ممن كانوا يعملون معه في وكالة نينا وفي مقدمتهم الزميل كاظم العطواني وحيدر حمادة بتأسيس وكالة كل العراق (أين).
على مستوى الصحف والمجلات فبعد اغلاق الصحف الرسمية الحكومية من قبل سلطات الاحتلال الامريكي وفي الفترة بين عامي 2003 و 2005 شارك محسن حسين في اصدار 3 مجلات ولفترة قصيرة، منها صحيفة (ان) تبعها اصدار مجلة (الان) لتكون استمرارية للمجلة الاولى.
واليوم وبعد مسيرة ستون عاما مازال الاعلامي والصحفي الكبير محسن حسين اطال الله في عمره يثري وسائل الاعلام المطبوعة والرقمية بالمقالات الجميلة والغنية فهو يكتب في صحيفة (الزمان) ومجلة (دنيا) و موقع (بانوراما) في استراليا و(شبكة الاعلام) في الدنمارك بالاضافة الى نشرات يومية على صفحته الشخصية وصفحة اخرى تحمل اسم (محسن حسين 60 عاما صحافة).
العراق في امس الحاجة لاعلامه وخاصة اليوم مع انتشار الانترنت ومايصاحبه من جهل وغياب توعية جعلت من كيفية نقل المعلومة والمشاركة بها عملية عشوائية وفوضوية. لمن يقرأ تاريخ محسن حسين جواد يستطيع ان يتعلم الدروس الاصولية والنموذجية لعمل الصحفي الملتزم والمراسل المخلص. ولا يمكن المبالغة عند القول ان سيرة محسن حسين جواد يجب ان تُدرس من ضمن المناهج الجامعية لطلاب الاعلام والصحافة.
ختاما اتمنى ان اكون وفقت في عرض رحلة حياة لرمز كبير جدا من رموز العراق واعلامه. من قلبي اتمنى لرائد الصحافة العراقية العم الغالي ابو علاء دوام الصحة والسلامة وطول العمر.
الجوائز والتكريمات
* درع رواد الصحافة العراقية – 1988.
* شارة رواد الثقافة العراقية – 1995
* رائد الصحافة العراقية – 2010
شكرا لهذا الايضاح لاعمال احد عمالقة العراق في الصحافة ..