بدأ علي الوردي بطبع اجزاء من كتابه “الاحلام: بين العلم والعقيدة” في نيسان 1957 على اساس الانتهاء من طبعه في صيف العام نفسه، اي قبل سنة بالضبط من قيام ثورة 14 تموز 1958 التي اطاحت بالنظام الملكي، لكنه وبالرغم من كل الجهد والوقت اجل نشر الكتاب مرتين قبل نزوله الى الاسواق.
يتكون الكتاب من ثلاثة اقسام، وكانت دار النشر تطبع الجزئين الاول والثاني عندما ابلغهم الوردي قراره بتأجيل كل شئ وطلب وضع ماتم طبعه على الرف الى اشعار اخر.
اتخذ علي الوردي هذا القرار بعد عرضه لمواضيع الكتاب على احد الاصدقاء كما هي عادته ايام الحكم الملكي قبل نشر اي كتاب لكي يتجنب المساءلة من قبل السلطات وينتهي الامر به في السجن. الجدير بالذكر ان في نفس الكتاب يذكر الباحث الكبير علي الوردي ان له كتابات لو اخرجها الى الملأ ايام العهد الملكي لكان مصيره “اعماق السجون”، وله كتابات اخرى لم يستطيع اخراجها بعد قيام الجمهورية العراقية لخشيته المصير نفسه.
اطلع ذلك الصديق على مضمون الكتاب الذي سيكون اسمه لاحقا الاحلام بين العلم والعقيدة “… رفع حاجبيه وعلى فمه ابتسامة يائسة حيث قال: انصحك بااخي ان لاتخرج الكتاب في الوقت الحاضر”
استغرب الوردي وخاصة انه يعتبر الكتاب من اقل من حيث المضمون شأنا بالسياسة ولايحتوي على اي انتقاد الى النظام السياسي القائم (مقارنة بوعاظ السلاطين على سبيل المثال). وهنا شرح الصديق وجهة نظره: “ان الكتاب يمس بصورة مباشرة عواطف الاسرة المالكة، اذ ان فيه تعريضا خفيا ب”الشرفاء” من ذرية النبي. وهذا التعريض سوف يغضب الملك او اقربائه، لانهم يستندون في سلطانهم على مايزعمون لانفسهم من حق موروث باعتبارهم من “اهل البيت” الطاهر.”
ويضيف الصديق ان العائلة المالكة قد يتحملون النقد تجاه الوزراء او الموظفين لكنهم لايقبلوا النقد الموجه نحو العائلة المالكة او من يساندهم في الظاهر او في الخفاء. العائلة المالكة حسب هذا الصديق تعتبر رمز النظام القائم في البلاد واي نقد لهذا الرمز في نظرهم يمكن اعتباره جريمة عظمى، لانه بمثابة الدعوة الى هدم الاساس الذي يقوم عليه كيان النظام. ظل الوردي متعجبا من رأي ذلك الصديق وخاصة انه لم يأتي بذكر العائلة المالكة لامن قرب او من بعيد، لكنه اخذ برأي ذلك الصديق واجل نشر الكتاب.
جاء التأجيل الثاني لنشر كتاب الاحلام بعد الضجة التي اقامت الدنيا واقعدتها في كل من العراق ولبنان والاردن بسبب مقالة نشرها كاتب مصري اشار فيها ان الاسلام يساوي بين الناس فلا فرق بين شريف ومشروف وليس فيه طبقات تمتاز عن غيرها بالنسب.
وعليه قرر العلامة علي الوردي تأجيل نشر الكتاب الى مابعد ثورة 14 تموز / يوليو بعام، اي في العام 1959.
المصدر:
من كتاب “الاحلام: بين العلم والعقيدة” للعلامة علي الوردي