تسابق علماء الآثار مع الزمن لرسم خريطة للمدينة القديمة التي كانت مغمورة بالمياه
المقال بقلم: جاين بايكر
المقال الأصلي هنا (بالانكليزي)
المقال الأصلي بتاريخ 6 حزيران 2022
ترجمة: أحمد طاهر

يكافح العراق أسوأ موجة جفاف منذ عقود. أدى نقص هطول الأمطار وسوء إدارة الموارد إلى ترك التجمعات السكنية التي تعتمد على نهري دجلة والفرات خالية من المياه التي تحتاجها للبقاء على قيد الحياة. لذلك قامت السلطات بتجفيف جزء من خزان سد الموصل في إقليم كردستان في البلاد في كانون الثاني (يناير) الماضي لمنع المحاصيل من الجفاف.
وكم تبين لاحقاً فان القرار جاء بنتائج غير متوقعة: حيث من تلك المنطقة المجففة ظهرت مدينة قديمة – ومع مرور أيام فقط لفحص المنطقة قبل عودة المياه، نجح علماء الآثار في رسم خرائط لما يعتقدون أنها مدينة رئيسية في إمبراطورية ميتاني (Mittani أو Mitanni) التي بنيت قبل 3400 عام.
العديد من سكن المنطقة يؤكدون وجود هذه المدينة في المنطقة قبل إنشاء السد في ثمانينيات القرن الماضي، لكن المباني والتحف الأثرية التي نجت من الدمار الذي لحق بالمدينة نتيجة للزلزال الذي ضرب بها حوالي عام 1350 قبل الميلاد لم يتم التحقيق فيه بشكل كامل ، وفقًا لتقرير باتريك بيستر من مجلة Live Science.
ظهرت أجزاء من هذه المدينة لأول مرة خلال فترة جفاف شديدة في عام 2018، كما أفاد جيسون دالي من مجلة سميثسونيان في ذلك الوقت. وخلال فترة قصيرة تمكن الباحثون من استكشاف قصر يحتوي على جدران ضخمة بارتفاع 22 قدمًا، وسماكة حوالي ستة أقدام، واكتشفوا “بقايا لوحات جدارية من الأحمر والأزرق”. ومع ذلك ، لم يكن لدى علماء الآثار في النهاية الوقت الكافي لرسم خريطة كافية للمدينة قبل عودة المياه.
لذلك عندما ضرب الجفاف مرة أخرى هذا العام ، تم تجميع فريق بحث في غضون أيام للإسراع إلى الموقع. وفقًا لبيان صادر عن جامعة توبنغنTübingen . حصل الباحثون على تمويل قصير الأجل من خلال جامعة فرايبورغ لفحص المدينة قدر الإمكان.

الآن، أصبح لدى علماء الآثار صورة أوضح لما كانت عليه هذه المدينة القديمة، والشكر يعود إلى الفريق الذي نجح في مسح ورسم خرائط للعديد من المباني الكبيرة واكتشاف مئات القطع الأثرية. من بين المباني التي تم العثور عليها مجمع صناعي، حصن بجدار وأبراج، ومبنى تخزين متعدد الطوابق.
تقول إيفانا بولجيز، الأستاذة المساعدة في علم الآثار من جامعة فرايبورغ: “إن مبنى التخزين الضخم له أهمية خاصة لأنه من الأكيد أنه تم تخزين كميات هائلة من البضائع فيه ، وربما تم إحضارها من جميع أنحاء المنطقة”.
ويضيف حسن أحمد قاسم، رئيس هيئة الآثار الكردستانية ورئيس البعثة، أن “نتائج الحفريات تظهر أن الموقع كان مركزًا مهمًا في إمبراطورية ميتاني”.
أعجب الفريق بمدى الحفاظ على العديد من الجدران – التي يصل ارتفاعها أحيانًا إلى ما يقرب من عشرة أقدام – على الرغم من كونها مصنوعة من الطين المجفف بالشمس ومغمورة بالمياه لأكثر من 40 عامًا. ومن المحتمل أن يكون ذلك بسبب الزلزال الذي دمر المدينة. حولت الأجزاء العلوية من الجدران إلى أنقاض دفنت وحمت الأجزاء السفلية من المدينة لعدة قرون.
المدهش أيضًا هو العثور على خمس أواني خزفية تحتوي على أكثر من 100 لوح مسماري، بعضها لا يزال في مظاريف أو حاويات طينية. في البيان الصادر يصف بيتر فالزينر، أستاذ علم الآثار في جامعة توبنغن، أن بقاء الألواح الطينية غير مشبعة بالماء تعتبر “شيء قريب من حصول معجزة”. يأمل الفريق أن توفر اللوحات الطينية المكتشفة (التي قد يكون بعضها عبارة عن أحرف) مزيدًا من الضوء على شكل المدينة وحياتها اليومية في ذلك الزمن.
من المحتمل أن يكون الموقع هو مدينة زاخيكو (Zakhiku) القديمة ، وهي مركز رئيسي في إمبراطورية ميتاني، والتي استمرت من 1500 إلى 1350 قبل الميلاد تقريبًا. وهي واحدة من عدد من الممالك والدول التي أسسها الشعوب الهندو-إيرانيون في بلاد ما بين النهرين وسوريا، والتي امتدت فيها الإمبراطورية في ذروتها إلى ما يزيد قليلاً عن 600 ميل من جبال زاغروس إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.
في السنوات الأولى تصارعت تلك الإمبراطورية ضد مصر للسيطرة على سوريا حتى تم التوصل إلى هدنة مع الفرعون المصري تحتمس الرابع في العام 1420 قبل الميلاد تقريباً. سقطت إمبراطورية ميتاني على يد الحيثيون حوالي عام 1360 قبل الميلاد، ولكنها سرعان ماسقطت بيد الآشوريون بعد ذلك.
على الرغم من أن ظهور هذه المدينة تحت الماء أمر صعب التصديق، فهي ليست المدينة الوحيدة المهجورة التي تم الكشف عنها من الأعماق بسبب الجفاف هذا العام. ففي شباط (فبراير) الماضي، تعرضت قرية Aceredo الإسبانية – التي غمرتها المياه لإنشاء خزان ألتو ليندوسو في عام 1992 – للانكشاف بالكامل أثناء الجفاف، وفقًا لتقرير مولي تافت من جزمودو. على الرغم من أن قمم المنازل كانت مرئية في بعض الأحيان عند انخفاض منسوب المياه في الخزان، إلا أن المباني لم تعرض كاملةً أبدًا قبل مجيء الشتاء، والذي كان جافًا بشكل غير طبيعي بسبب تغير المناخ.

يمكن أن يكشف الجفاف أيضًا عن عجائب أثرية أخرى. ذكر ميلان سولي من مجلة سميثسونيان في ذلك الوقت أن النصب التذكاري المغليثي (وهو واحد من حجارات ضخمة شُكلت ووضعت على هيئة صروح خلفتها الثقافات القديمة، كشواهد حجرية في عدة بلدان في أعقاب انتهاء العصر الجليدي وتحول المناخ في أوروبا إلى أكثر دفئا) فان هذا النصب الذي يتراوح عمره بين 4000 و 7000 عام والمعروف باسم Dolmen of Guadalperal ظهر في عام 2019 عندما ضرب الجفاف خزانًا إسبانيًا غطى الأحجار لمدة 60 عامًا تقريبًا.
تضرر العراق بشكل خاص من الاحتباس الحراري، حيث ترتفع درجات الحرارة هناك بمعدل ضعفي المعدل العالمي، وفقًا لسيمونا فولتين من PBS. فقد انخفض مستوى متوسط هطول الأمطار السنوي بنسبة 10 في المائة، ونتيجة لذلك جفت الأراضي الرطبة التاريخية، ونفقت الماشية، ويكافح الناس للحصول على المياه العذبة.
في الوقت الحالي ، لا يزال هناك ما يكفي من المياه التي أعيد ملؤها من خزان الموصل في شباط (فبراير)، مما وضع نهاية لعملية الاستكشاف. ولكن لحماية المدينة الأثرية، غطى الفريق المنطقة بالقماش المدعوم بالحصى قبل أن تغمر المياه المنطقة بالكامل.
من المتوقع أن يستمر الجفاف في ابتلاع المنطقة. سيكون ذلك بمثابة كارثة على السكان المحليين – ويمكن أن يوفر فرصًا أخرى لعلماء الآثار. ومن المحتمل أن يكون هناك الكثير لاكتشافه: كما قال قاسم لصحيفة “هاداني ديتمارز” الفنية ، “هناك أكثر من 100 موقع تحت الماء في منطقة شرق دجلة” وحدها.